المغرب يواصل النهوض بالأمازيغية.. وقرار ملكي تاريخي حول رأس السنة أحدث الإجراءات

المغرب يواصل النهوض بالأمازيغية.. وقرار ملكي تاريخي حول رأس السنة أحدث الإجراءات

- عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية: إقرار الملك رأس السنة الأمازيغية حدث تاريخي

- رئيس الجامعة الصيفية: القرار الملكي تاريخي نتمنى أن يعطي دفعة كبيرة لمسار مأسسة اللغة الأمازيغية

- مؤرخ وإعلامي مغربي: قرار الملك مكسب تاريخي.. ونجدد مطالبنا للحكومة أن تسارع في تنزيل الدستور

- المندوبية السامية للتخطيط: نسبة الناطقين بالأمازيغية في المغرب تبلغ 26.7%

المغرب- سامي جولال

يواصل المغرب مسلسل النهوض باللغة والثقافة الأمازيغية، وتثمينها، الذي انطلق منذ عام 2001، باعتبارها مكوناً أساسياً من مكونات الثقافة والهوية المغربيتين، من خلال مجموعة من القرارات والإجراءات، آخرها إقرار ملك البلاد، محمد السادس، رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، الأمر الذي وصفته مصادر مغربية متخصصة في الشأن الأمازيغي تحدثت إليها "جسور بوست" بأنه حدث تاريخي واستراتيجي، يتوج مسار التدبير الديمقراطي للتعددية اللغوية والثقافية في المغرب، وأن استجابة الدولة، واستجابة الملك، الذي يمثل قمة الهرم السياسي، لهذا المطلب، يعد نقطة إيجابية جداً. 

وينص الدستور المغربي لعام 2011 على أن الأمازيغية تعد إلى جانب العربية، لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة بدون استثناء، وأن قانوناً تنظيمياًّ يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلاً بوظيفتها بصفتها لغة رسمية، وهو القانون الذي صادق عليه البرلمان المغربي في يونيو 2019، وينص على أن التفعيل والإدماج الكلي يجب أن يتما في ظرف 15 عاماً بعد مصادقة البرلمان المغربي على القانون التنظيمي المذكور، ونشره في الجريدة الرسمية.

وأعلنت المندوبية السامية للتخطيط (المؤسسة العمومية المكلفة بالإحصاء في المغرب) أنها توصلت في آخر إحصاء عام للسكان والسكنى في عام 2014 إلى أن نسبة الناطقين بالأمازيغية في المغرب هي 26.7%.

رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية 

يحتفل أمازيغ شمال إفريقيا برأس السنة الأمازيغية في الفترة ما بين 12 و14 يناير من كل عام، المعروف بـ"إِيضْ ينَّاير"، ويحتفلون فيه ببداية السنة الزراعية، كما يخلدون فيه ذكرى اعتلاء الملك الأمازيغي، شيشنق، عرش مصر القديمة سنة 950 قبل الميلاد. 

ويختلف المؤرخون حول طريقة وصول شيشنق إلى العرش الفرعوني، بين من يقول إنه "انتصر على رمسيس الثالث، ثم استولى على الحكم"، ومن يؤكد "أنه وصل إليه بطريقة سلمية". 

ولا يزال الأمازيغ يعيشون حتى الآن في منطقة سيوة المصرية، كما أن الملكة كليوباترا سيليني الثانية، ابنة الملكة المصرية الشهيرة كليوباترا، كانت متزوجة من الملك الأمازيغي، يوبا الثاني، الذي حكم مملكة كانت تدعى "موريطنية" في شمال إفريقيا، وبلغ التقويم الأمازيغي عامه الـ2973 في بداية سنة 2023.

وأقر الملك محمد السادس، رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية، على غرار الأول من محرم من السنة الهجرية، وكذلك رأس السنة الميلادية، وأصدر توجيهاته السامية إلى رئيس الحكومة، قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي السامي.

ويأتي هذا القرار الملكي، بحسب بلاغ للديوان الملكي المغربي، تجسيداً للعناية الكريمة، التي ما فتئ يوليها الملك للأمازيغية، باعتبارها مكوناً رئيسياً للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيداً مشتركاً لجميع المغاربة بدون استثناء، كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية.

حدث تاريخي 

قال عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (مؤسسة رسمية)، أحمد بوكوس، إن "إقرار الملك لرأس السنة الأمازيغية، الذي يحدِّدونه في 14 يناير، حدث تاريخي، لأنه لأول مرة في تاريخ المغرب سيحتفل المغاربة جميعاً موحدين حول كلمة واحدة، وهي وحدة الثقافة المغربية بروافدها المختلفة.. وإن هذا الحدث له صبغة وطنية، بمعنى أن الأمر يهم جميع طبقات ومكونات المجتمع المغربي، وهو كذلك حدث رسمي، بحيث إن الأمر لم يعد موكولاً لاختيارات شخصية، أو مُسنداً إلى نزعات طائفية أو أشياء من هذا القبيل، وإنما هو اعتراف من طرف الدولة، ومن طرف أعلى سلطة في البلاد، وأخيراً فهو يوم عطلة".

وأضاف بوكوس، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن "الاحتفاء بإِيضْ يناير، كما يسمونه في المغرب، يعود إلى عهود قديمة، وأنهم يفتخرون بالانتماء إلى تلك العهود، ويفتخرون بعادات وطقوس المجتمعات القروية عبر العالم".

تتويج للقرارات الملكية بشأن الأمازيغية

ومن جانبه، قال الباحث في الشأن الأمازيغي ورئيس الجامعة الصيفية، رشيد الحاحي، إن "القرار الملكي السامي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، يعتبر قراراً تاريخياً يتوج مسار التدبير الديمقراطي للتعددية اللغوية والثقافية في المغرب، وأيضاً التنصيص الدستوري في دستور 2011 على وضعية اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية".

وهنأ الحاحي، في حديثه مع "جسور بوست"، بهذه المناسبة كافة المواطنين والمواطنات المغاربة بهذا القرار الملكي السامي التاريخي، وتمنى أن "تُنفَّذ القرارات الملكية بالشكل اللائق، لكي يتمتع كل المواطنين والمواطنات المغاربة بتعدديتهم اللغوية والثقافية في إطار مشتركهم الوطني".

وأضاف الحاحي أن "هذا القرار يتوج مسار القرارات الملكية في ما يتعلق بالأمازيغية، وأنه إذا عدنا إلى الخطاب الملكي بأجدير (شمال المغرب) سنة 2001، الذي يعتبر ثورة في الحياة السياسية والثقافية في المغرب، نجد أن الخطاب يؤكد على النهوض بالأمازيغية، باعتبارها إرثاً مشتركاً لجميع المغاربة، ومكوناً أساسياً من مكونات الثقافة والهوية المغربية، وإرثاً يحضر في عمق تاريخ المغرب وحضارته، وبالتالي فإن إقرار هذا اليوم يوم عطلة، يعتبر قراراً سياسياً ذا حمولة رمزية كبيرة جداً، لأنه سيمنح الثقافة الأمازيغية موعداً سنوياً في اليومية الوطنية للأعياد الوطنية، لكي يحتفل المواطنون والمواطنات المغاربة جميعاً بثقافتهم، وهويتهم، وتاريخهم المشترك".

مكسب استراتيجي

ومن جهته، أفاد الدكتور في التاريخ والإعلامي المغربي- الأمازيغي، عبدالله بوشطارت، بأن "هذا القرار الملكي بجعل رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً لجميع المغاربة، هو قرار ومكسب استراتيجي وتاريخي، قد يفيد المغاربة في اللحمة، والتضامن، والوحدة، ويفيد الدولة المغربية أكثر في عمقها وامتدادها الحضاري، وأنه مكتسب نضالي للحركة الأمازيغية، التي ناضلت، بحسبه، لمدة عقود من أجل هذا المطلب، ما يعني أن هناك استجابة".

واعتبر بوشطارت، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، أن "استجابة الدولة، واستجابة الملك، الذي يمثل قمة الهرم السياسي، لهذا المطلب، يعد نقطة إيجابية جداً"، مردفاً أن "هذا القرار يهم الهوية الحضارية والتاريخية للمغرب، وأن هناك نوعا من الحزم في بعض النقاشات، التي طال عمرها وأمدها في المغرب، حول الهوية المغربية، والامتداد التاريخي للدولة المغربية، وأن هذا الإقرار بالرغم من أنه رمزي- سياسي وثقافي، لكنه في العمق يساعد على بناء هوية مغربية بأسس متينة مبنية بشكل قوي على الأسس الحضارية والثقافية". 

وأضاف بوشطارت أن "إِيضْ يناير هو استمرار وديمومة لممارسات ثقافية تجمع الإنسان الأمازيغي مع الأرض، أو مع الزراعة، وأن الاكتشافات الأركيولوجية المعاصرة أثبتت أن المغرب يعتبر من بين أقدم البلدان في العالم، التي عاش فيها الإنسان العاقل، حيث اكتشف إنسان إيغود في نواحي الشماعية ما بين مدينتي آسفي ومراكش (جنوب)، وبالتالي فإن إقرار إِيضْ يناير يدخل في هذا المنحى، أي الاعتراف الكلي بالهوية الحضارية والثقافية للمغرب".

وأطلق المغرب في عام 2010 قناة عمومية ناطقة باللغة الأمازيغية أُطلق عليها اسم القناة "الثامنة"، وصادقت الحكومة المغربية، في سبتمبر 2020، على إحداث لجنة وزارية دائمة يرأسها رئيس الحكومة، مهمتها تتبع وتقييم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي سيستمر على مدار الـ15 عاماً المقبلة بشكل تدريجي، وسيشمل مختلف المجالات.

تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية 

بالنسبة لترسيم اللغة الأمازيغية، وتفعيل طابعها الرسمي، في المغرب، قال عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أحمد بوكوس، إن "هذا مسلسل بدأ منذ سنة 2001 مع إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي اشتغل على اللغة، وعلى إدماج الأمازيغية في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، وفي الإعلام والتواصل، وعلى الدعم الموجه لمنتجي الثقافة الأمازيغية من فنانين، وباحثين، وغيرهم". 

وأردف بوكوس أن "الحصيلة واضحة، وأنهم استطاعوا أن يبدعوا في مجال كتابة الأمازيغية بحرف تِيفِينَاغْ، واستطاعوا بمعية وزارة التعليم أن يدرجوا الأمازيغية في المدرسة والجامعة المغربيتين، واستطاعوا بمعية وزارة الاتصال أن يدرجوا الأمازيغية في وسائل الإعلام، خاصة إنشاء القناة الثامنة الناطقة بالأمازيغية".

وأبرز بوكوس أن "ما يتوج هذا المسلسل وهذا الزخم من المنجزات، هو تكريس اللغة الأمازيغية بصفتها لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية"، موضحاً أن "هذه كلها مكاسب ومكتسبات يعتزون بها، وتجعل من المغرب قدوة في مجال إقرار الحقوق اللغوية والثقافية على مستوى المنطقة بأكملها".

وفي هذا الجانب، قال رشيد الحاحي: "نتمنى أن يعطي هذا القرار الملكي السامي دفعة كبيرة لمسار مأسسة اللغة الأمازيغية، وتفعيل المقتضيات الدستورية والقانونية المرتبطة بها، ونعلم أن الأمازيغية لغة رسمية منذ 2011، وصدر قانون تنظيمي يحدد مراحل تفعيل طابعها الرسمي، وإدماجها في مختلف مجالات الحياة العامة، كما صدر قانون تنظيمي يهم إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، إذن نتمنى أن يعطي هذا القرار الملكي دفعة لتفعيل جدي للمقتضيات الدستورية والقانونية المرتبطة بالأمازيغية".

وبيَّن الحاحي أن "الحكومات المتعاقبة، والأحزاب السياسية، في تقييم موضوعي لتعاطيها مع هذه القرارات وتنفيذها، يتضح أن هناك تذبذباً، وهدراً للزمن السياسي والدستوري، وأنه حان الوقت لتدارك التأخير الذي حصل، والالتزام بالآجال المحددة في القانون التنظيمي، وأن تُوفَّر كل الإمكانيات المادية والبشرية على مستوى تكوين الموارد البشرية والموظفين في مختلف القطاعات الحكومية، بما في ذلك تخصيص العدد الكافي لتعميم تدريس الأمازيغية بالتعليم الابتدائي والثانوي، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي، وأيضاً تفعيل ترسيم الأمازيغية في مجال القضاء، والإعلام، والإدارات العمومية، وفي الجماعات الترابية، وأن يتم تفعيل المقتضيات القانونية المرتبطة باعتماد اللغة الأمازيغية في مختلف الوثائق الرسمية للمواطنين والمواطنات المغاربة، بما في ذلك البطاقة الوطنية، وجواز السفر، ورخصة السياقة، وغيرها".

وتمنى الحاحي أن "يتم تدارك التأخير الذي حصل، وأن توفر الإمكانيات المالية، والبشرية، والتكوينية، للتقدم بالشكل الملموس في تفعيل ترسيم الأمازيغية، وأن يشعر كافة المواطنين والمواطنات المغاربة بمدى تحقق المقتضيات الدستورية في حياتهم العامة، ومجالهم المؤسساتي والإداري".

ومن جانبه، أوضح الدكتور في التاريخ والإعلامي المغربي-الأمازيغي، عبد الله بوشطارت، قائلاً: "نحن نفتخر بهذا الإقرار الملكي، ولكن نتأسف أن الحكومة المغربية الحالية بصمت على مجموعة من التراجعات، وهناك نكوص يخص الحقوق، والمكتسبات، وتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ونرى بحكم تتبعنا للأنشطة الحكومية، وللفعل السياسي الحكومي في المغرب، أن هناك تراجعات في التعليم، وجموداً في إدماج الأمازيغية بشكل واقعي في الإعلام، وفي الإدارات، وفي القضاء، ولا زالت الأمور على ما كانت عليه قبل الدستور، وبالتالي فنحن نتوسم من هذا القرار الملكي أن يشكل دفعة قوية للحكومة، وأن ينبهها إلى أن الأمازيغية لم تعد قضية سهلة، ولم تعد قضية للاستغلال السياسوي والحزبي، ولم تعد قضية الثقافة أو الفلكلور، وإنما أصبحت بمثابة الأسس، التي تنبني عليها المشروعية السياسية، والهوية الوطنية، وبالتالي نجدد مطالبنا للحكومة أن تسارع في تنزيل الدستور، وأن تشتغل".

وأبرز بوشطارت أن "اللغة الأمازيغية، أو الثقافة الأمازيغية، في حاجة إلى نوع من التعامل الإيجابي المزدوج، وأنه إذا كانت الدولة تصرف المليارات في التعريب واللغة العربية في المدرسة، والإدارة، والإعلام، فقد آن الأوان أن تصرف ميزانيات مضاعفة على اللغة الأمازيغية، لأنها كانت تعاني الهامشية والإقصاء، وأن هذا القرار الملكي جاء في وقته، لكي يكون ناقوس تنبيه للحكومة". 

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية